الوصف
إن الحديث عن الصحراء «الغربية» والأصح، المغربية، حديث عن حالة سياسية معقدة استعصت على الحل طوال أربعين عاماً. وهذا التعقيد في الحالة الصحراوية جاء نتيجة مخطط استعماري خبيث نسجت خيوطه في مقرات الحكومات الأوروبية عامة منذ نهاية القرن التاسع عشر (مؤتمر برلين 1884م) وفي مقرات الحكومتان الإسبانية والفرنسية خاصة، منذ مطلع القرن العشرين.
إن المخطط الاستعماري الخبيث استهدف مجالاً صحراوياً مفتوحاً حتى نهر السنغال ومناطق السودان الغربي (مالي – النيجر – تشاد)، كان عبر التاريخ مجالاً جغرافياً وحيوياً من مجالات النفوذ المغربي، وأن حقائق الجغرافية والتاريخ والانتماء الاجتماعي والديني والمذهبي، واللغوي والثقافي والحضاري العام، تؤكد بما لا يقبل الشك، بل ينسف محاولات التشكيك، بأن هذه المنطقة الصحراوية، وعلى الدقة الأكثر، التي يطلق عليها الصحراء «الغربية» هي جزء لم يتجزأ، ولا يتجزأ من التكوين الوطني المغربي. وفي ضوء هذا الارتباط العضوي المعبّر عن الجسد الواحد، كان دفاع المغاربة سلطاناً وشعباً منذ نهاية القرن الخامس عشر وحتى النصف الثاني من القرن العشرين، عن وحدة التراب المغربي من أقصى الشمال المغربي إلى أقصى الجنوب المغربي ضد محاولات التمركز والاستيطان والتغلغل الأوروبي إلى دواخل البلاد المغربية عبر السواحل المتوسطية والأطلسية. ولم يكن ذلك الدفاع المغربي عن امتداداته الصحراوية في الأقاليم الجنوبية، دفاع عن مصالح اقتصادية، وإنما كان دفاعاً عن الأرض والسكان، ودفاعاً عن الدين والمذهب، وعن الحرية في الحياة في وطنهم، وهي توكيد لمسؤولية الراعي عن رعيته في ضوء «البيعة» التي قطعوها على أنفسهم لسلطان المغرب مهما تغيرت السر الحاكمة طوال التاريخ حتى وصلت إلى الأسرة العلوية منذ بدايات القرن السابع عشر وحتى الآن.
إن المدة من عام 1884 وحتى عام 1976م، هي مدة الاحتلال الإسباني المباشر للصحراء الغربية، وتعد هذه المدة أسوأ مدة شهدتها الأقاليم الجنوبية في المغرب، من الاستغلال والنهب الاقتصادي والمعدني البعيد عن مصالح سكان المنطقة، والمقترن بالإهمال الفظيع في خدماتهم ومعاشهم وصحتهم، والمتجاهل لمطالبهم الكفاحية في الحرية والاستقلال والعودة إلى الوطن الأم، المغرب.
وجاء الاستقلال المغربي عام 1956م، ليشكل بداية المطالبة الرسمية والحزبية والشعبية لإعادة استكمال الوحدة الترابية، فكان إعادة طرفاية عام 1958م، وأيفني عام 1969م، المقدمة لإعادة الساقية الحمراء ووادي الذهب. وجاء تصلب الموقف الإسباني (انطلاقاً من المصالح الاقتصادية البحتة) ليزيد الموقف المغربي تصلباً أكثر للدفاع عن المصالح الوطنية والسيادية، وبدأت الجهود الدبلوماسية والسياسية، مترافقة مع الجهود العسكرية التحريرية في الصحراء للحصول على الدعم الدولي لتصفية الاستعمار في القارة الإفريقية، إذ كانت صحراء المغرب آخر بقايا المستعمرات. وعليه كان للضغط المغربي والعربي والإفريقي والدولي، أثر في تخلي إسبانيا عن استعمارها للصحراء «الغربية» عام 1976م.
ومنذ عام 1976م وحتى الوقت الراهن، أصبحت الصحراء «الغربية» تشكل قضية لا بل مشكلة من أعقد المشاكل في تاريخ الوطن العربي المعاصر عامة، وفي المغرب العربي الكبير خاصة. فقد استعصت على الحل بسبب تناقض المواقف بين أطراف النزاع، وقاد ذلك إلى تدخل القوى الإفريقية والدولية التي حاولت وما زالت تحاول إيجاد حل للمشكلة الصحراوية، إما بالوقوف إلى جانب الموقف ومن ثمّ المقترح الصحراوي المدعوم من الجزائر والخاص بالاستفتاء حول تقرير المصير بين الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب، لا بل التأكيد على الاستقلال الصحراوي، أو إلى جانب المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي الموسع في إطار السيادة المغربية (2007م). وفي ضوء هذه الإشكالية ساد نزاع عسكري بين الطرفين طوال أعوام 1976 وحتى عام 1991م. وبعد ذلك استمر النزاع بشكله السياسي السلمي حتى الوقت الراهن. وطوال هذه المدة (1976-2014م) حاول الطرفان حشد التأييد الدولي تجاه مطالب كل منهما.
إن هذه الدراسة تسعى لتوضيح المواقف بين طرفي النزاع، وتؤكد أن هذا النزاع لا بد أن يتوقف مهما طال الزمن، وأن استمراره سيعيق استقرار المنطقة المغاربية بأجمعها، وسوف يستنزف الإمكانات، ويعيق عمليات التنمية البشرية والاقتصادية، ويبقي المنطقة في دائرة التجاذبات السياسية والتباعد بين الأشقاء.