الوصف
د. مصطفى جواد: واحد من أعلام نهضة العراق في العصر الحديث، وموسوعة معارفة: في اللغة والنحو والتصريف والبلاغة والشعر والأخبار والسير والقصص والتاريخ والوفيات والكتب والرجال والخطط والبلدان والآثار، ذاع اسمه وانتشر في المجامع العلمية واللغوية العربية، والمجالس الأدبية والفكرية، مؤرخاً ثبتاً، ومحققاً لا يرقى الشك إليه، ولغوياً أحاط بمملكة اللغة الواسعة المترامية الأطراف، ومجمعياً يرفع قواعدها وبنيانها، بعد أن نشأ راغباً فيها لعلو مكانتها في نفسه، محباً لها منذ أن تفتحت طفولته، واستمر في دراسته التي كان لاجتهاده الذاتي فيها الأثر الكبير في تنمية مواهبه واكتمال ثقافته التي اتسعت فشملت جوانب متعددة.
عرف الناس د. مصطفى جواد ابناً باراً من أبناء العراق، ومن أنجب أبنائه رعاية لطامس آثاره، وكشفاً عن دارس أخباره، تسعفه ذاكرة حادة تمتد في كل ضرب من ضروب المعرفة، كما اشتهر مؤرخاً يعنى بدقائق الأمور والمنسيات من الأحداث، يصحح ما تعارف عليه الناس من خطأ بمنهج علمي موضوعي امتاز بالدقة والرصانة والسمو فوق العواطف والأهواء.
في العشرينات من هذا القرن، بدأ مصطفى جواد رحلته العلمية يبحث ويعقب، يحقق وينقب ثم أخذ ينتج وإنتاجه غزير ومتنوع، عني بمواضيع عديدة، أخصها اللغة وأعمها التاريخ، تأليفاً في حين، وتحقيقاً ونشراً في حين آخر، ثم امتد نشاطه إلى الترجمة فعاناها شعراً ونثراً، على أن الحقل الذي برزت فيه أصالته وتجلت فيه موهبته هو اللغة، فكان للعربية ابناً من أكرم أبنائها براً بها، وحدباً عليها يقوّم ما أعوج ويصوب ما زل به اللسان، لتظل العربية: «رائقة المشارب، نقية من الشوائب، سليمة من عبث المتهاونين، بريئة من غلط المترجمين».
وقد كان لبعض ذوي العلم متابعة لتراث مصطفى جواد في حياته وبعد مماته، ولكن هذه المتابعة بقدر ما اهتمت بتراثه اللغوي والتاريخي إلّا أنها لم تستطع الوقوف على كل ما خلفه الدكتور مصطفى جواد مبثوثاً في أكثر المجلات والصحف عراقية وعربية بدءاً بسنة 1924م، وحتى مماته 1969م، ناهيك عن تراثه النحوي الذي ضم كتابه «المباحث اللغوية في العراق» إشارات يسيرة إلى بعض آرائه فيه.
إن جهود مصطفى جواد التي مكنته من الإحاطة الواسعة بكثير مما في اللغة من أسرار ودقائق واشتغاله بتعليمها أكثر من (45) سنة ومتابعته لمشكلاتها ومشكلات دارسيها، وما يقف في طريق نموها وازدهارها مشكلات، حتى عد «نحوي العراق ولغوي الأمة في هذا الجيل» ونعت نفسه: «بفيلسوف قواعد اللغة العربية واشتقاقها وخططي بغداد الفرد». وهذا ما دفع محمد البكاء إلى معالجة الكثير من آرائه واجتهاداته النحوية واللغوية والصرفية وسيرته.
قد وقسم الكتاب على فصلين: الأول: (حياته وثقافته) ضمن ثلاثة أقسام، هي: مولده ونشأته، ثقافته، وقد جاءت ضمن ثلاثة محاور: (مصادرها، أسلوبه، آثاره) في حين أفرد القسم الثالث من هذا الفصل لدراسة شعره، والتعريف به وبشاعريته.
أما الفصل الثاني: (منهجه ومنزلته العلمية) فقد اشتمل هو الآخر على ثلاثة أقسام هي: منهجه ومنزلته العلمية في: اللغة العربية ودراسة مشكلاتها، في النحو والصرف، وفي التاريخ، وتحقيق النصوص، بغية تجلية شخصية مصطفى جواد وبيان منزلته العلمية في فنون المعرفة التي عني بها، فهو العالم الجليل والباحث والمحقق والمنقب الخططي واللغوي الذي استوى الناس في حبه وتقديره.