الوصف
شهدت الخلافة العباسية منذ أواسط القرن الثالث الهجري انتكاسة سياسية وإدارية على كافة المستويات، وبدأت سلطة الخليفة العباسي تتدهور وتتراجع على أثر هيمنة العناصر الأجنبية التركية على الجيش العباسي وازدياد تداخلهم في شؤون الدولة العربية الإسلامية، وأعقبهم البويهيون (334هـ/945م) في ذلك عندما تسلطوا على دار الخلافة العباسية فسلبوا الخليفة كل سلطاته وامتيازاته ولم يبقوا على الخلافة إلّا لاعتبارات شكلية سياسية، وهكذا كان شأن السلاجقة (447هـ/1055م) الذين جاؤوا بعد البويهيين في القرن الخامس فنسجوا على منوالهم وساروا في نفس خطهم، فكان هناك صراع يسري بين العروبة وأعدائها، وكان العراق أحد ميادينها الأمر الذي أثر تأثيراً سلبياً على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي ظل تلك الأوضاع المتردية ظل الخليفة العباسي يكافح ويناضل تلك القوى الأجنبية من أجل استعادة السيادة والنفوذ اللذين سلبيتهما منه تلك القوى الغاشمة، فظهر عدد من الخلفاء الأكفاء الذين نجحوا في انتشال الخلافة من محنتها وإعادة الكرامة العربية إليها وإبعاد العنصر الأجنبي عنها.
في ظل تلك الظروف الصعبة التي واجهتها حاضرة الخلافة العباسية بغداد وما تحملته من انعكاسات سلبية في هذه الحقب الحالكة التي تسودها الاضطرابات والفوضى شهدت الدولة العربية الإسلامية العباسية نهضة علمية وثقافية وحضارية.
وفي تلك الظروف الحالكة العصيبة كان للمرأة العربية في بغداد دور رائد ومساهمة فعالة ومشاركة أكيدة في الحياة العلمية والثقافية إلى جانب زميلها الرجل. فاحتضنت بغداد عدداً كبيراً من العالمات الفاضلات اللواتي كن يتمتعن بعلو المكانة، والشهرة في الميادين العلمية، وبصورة خاصة الدينية منها في العلوم الإسلامية مثل علوم القرآن والحديث وأصوله اللغوية والأدبية.
وعلى الرغم من عدم الاستقرار في الحياة السياسية والإدارية بسبب الصراعات المستمرة بين الخليفة العباسي والبويهيين والسلاجقة، شهدت بغداد خلال تلك الفترة حركة ثقافية وعلمية، إذ ازدهرت فيها العلوم الدينية والأدبية واللغوية. وكان للمرأة دور بارز فيها وهذا ما سلطت الضوء عليه في هذه الدراسة. وقد احتوت هذه الدراسة على بابين البال الأول يتكون من فصلين.
الفصل الأول: وهو نبذة تاريخية عن أحوال بغداد السياسية والاجتماعية خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين. أما الفصل الثاني فتحدث عن أحوال بغداد الثقافية والفكرية خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين.
أما الباب الثاني فهو بعنوان إسهام المرأة في الحياة الفكرية في بغداد خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين. تكلم في هذا الباب عن الازدهار الفكري الذي عم العراق خلال تلك الفترة وخاصة بالنسبة للمرأة العراقية التي أسهمت في تنمية وتطوير الأحوال الفكرية في بغداد، حيث برز حشد من النساء العالمات في شتى العلوم والمعارف الإسلامية المختلفة. وهو في فصلين:
الفصل الأول: المرأة والدراسات الدينية. أما الفصل الثاني: ففي عالمات في ميادين علمية مختلفة.
ولقد استفادت هذه الدراسة من مصادر مختلفة، امتاز بعضها بمعاصرته لأحداث الفترة التي نبحثها، وبذلك فهي تعد ذات قيمة أساسية في بنائها. وفي مقدمة هذه المصادر كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) لابن الجوزي الذي يعد من أهم المؤرخين الذين كتبوا في علماء وعالمات هذين القرنين.