الوصف
شعب الأحواز جزء من الشعب العربي، يرتبط معه بأواصر الأخوة والمصير واللُّغة والتاريخ والأرض والتقاليد والثقافة، وشارك إخوانه العرب في بناء مجدهم وازدهار حضارتهم في أيام عزتهم وسلطانهم، وبعد سقوط بغداد على أيدي التتر عام 656هـ، لم يكن حال عرب الأحواز بأحسن من حال أهل العراق، إلى أن قيض الله لهم تأسيس الحكم العربي في منتصف القرن التاسع الهجري/ منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، والذي استمرَّ حتى الربع الأول من القرن العشرين، تناوب عليه المشعشعيون والكعبيون.
وفي ظل الحكم العربي للإقليم ازدهرت نواحي الحياة كافة، ومن بينها الثقافة والأدب، وكان أروع نهوض شهده الأدب في الحقبة الواقعة بين عام (1000-1350هـ)، وخلال هذه المدة ظهر عشرات من الشعراء والكتاب وكان نهجهم هو الإقتداء بالنماذج الرائعة من تراثنا العربي الذي خلفه فحول الشعراء والكتاب، فنكبوا بشغف بالغ على تصانيف الأقدمين ودواوينهم، فدرسوها بإتقان، فجاء أدبهم يضاهي أدب القدماء في خصائصه وجماله وبلاغته وروعته، وفي ميدان الشعر نظموا في الأغراض كافة، فأبدعوا في المديح والحماسة والرثاء والشكوى والوصف والحكمة والإخوانيات والغزل وفي كلِّ فنٍّ من هذه الفنون؛ أما في النثر فإن لهم باعاً طويلة فيه، لا تقلُّ شأناً عن الشعر.
إن الأدب الأحوازي في القرون الثلاثة السابقة لهذا القرن، كان من القوة والرصانة ما يجعله في مرتبة الآداب العربية الراقية أيام عزِّها وإزدهارها تمسك بالأسس السليمة للأساليب العربية في النظم والنثر وطرق كافة الأغراض، وتعامل مع حياتهم تعاملاً إيجابياً، وتفاعل مع واقعهم، فنقل لنا أخبارهم وصوراً من حياتهم، لولا الأدب ما كادت أن تعرف.
إن هذه الموسوعة تتناول الحياة الأدبية ومسيرة الأدب العربي مدة ثلاثة قرون ونصف في إقليم عربي من أقاليم وطننا العربي الكبير، حيث إن معظم الدراسات التي تناولت إقليم الأحواز، كان يجري التركيز فيها على الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، دون الاهتمام بالجانب الثقافي والأدبي.
وموضوع أدب الأحواز من السعة بحيث لا يمكن استيعابه في دراسة واحدة محدودة الزمان، فلا بد من تقسيمه على أساس العصور السياسية ثم دراسة كل عصر على حدة، ففي العصرين الأموي والعباسي يدرس أدب الأحواز ضمن حركة الأدب العربي العامة لذينك العصرين، وأمره واضح المعالم، أما في العصرين التتري والتركماني، فقد اضمحلَّ الأدب العربي في الأحواز اضمحلال جوانب الحياة الأخرى، ولم يستيقظ من رقدته إلاّ في عصر المشعشعيين.
ففي منتصف القرن التاسع الهجري – منتصف الخامس عشر الميلادي – استطاع الأحوازيون أن ينشئوا لأنفسهم كياناً سياسيّاً مستقلاًّ استمرَّ حتى الربع الأول من القرن العشرين، حينما غزت الحكومة الإيرانية أراضي الإقليم، وقهرت أهله العرب وأخذت تحكمهم حكماً مباشراً وسط إجراءات القسر والاستبعاد متجاهلة حقهم في الحرية والاستقلال والثقافة وغيرها.
وفي زمن الاستقلال شهد الإقليم انبعاثاً حضاريّاً شاملاً ونهوضاً ثقافيّاً واسعاً وتوجهاً صادقاً لإحياء تراث الأجداد الأدبي، فنبغ عشرات من العلماء والشعراء والكتاب من أهل الإقليم، خلفوا آثاراً علمية وأدبية جديرة بالدراسة والرعاية، وكان إنتاجهم الأدبي في المدة من (1000-1350هـ)، يصلح أن يكون مادة دراسية وينتفع بها كَلَبِنَة من لبنات صرحنا الأدبي العريق.