الوصف
السنن القبلية مستخلصة من العرف، والعرف من العادة فالسنينة ما هي إلّا مادة (قانونية) يسمّونها ثاية يتفق عليها كعقوبة أو حد لجريمة معينة وتحكم بموجبها لأمر مستجد لم تكن لها سابقة.
وهذه السننية أو (السانية) بمرور الزمن تصبح عرفاً من أعراف القبيلة، وهذا العرف يدخل في باب الثوابت (الأوابد) بتعاقب الأجيال والقرون ومجموع هذه التقاليد والقيم والأعراف والسنن تسمى (نواميس) وهي رمز لشرف القبيلة وعزتها.
ومن نافلة القول، أن السنن والأعراف تكاد تكون واحدة في عموم قبائل الجزيرة العربية في معالجتها للمشاكل إلّا أنها تختلف من منطقة إلى أخرى ومن بيئة إلى أخرى وفي تقدير حجم ونوع العقوبة، فالجوهر واحد إلّا أن لكل قبيلة فلسفتها؛ فعموم القبائل تعاقب القاتل العمد بالنفي هو وعائلته، ومنهم من يشمل رهطه (الخمسة).
وإلى هذا، فإن النواميس ومفردها ناموس أو العرف هو كل ما ورثه الفرد من عادات وتقاليد وأصول اجتماعية تحدّد بموجبها العلاقات بين الأفراد والقبائل، وقد نالت النواميس من الاحترام والقدسية حتى أصبحت قسماً يقسم به الفرد (المحلّف) في الحالات التي تحتاج إلى قسم كان يقول (أقسم بكل ناموسي) وإذا وصف إنسان بأنه مجرد من جميع التزاماته الاجتماعية الخاصة والعامة يقال عنه (فلان بلا ناموس) أو (فلان لا دين له ولا ناموس).
هذا ولا زالت القوانين غير المكتوبة – الأعراف والتقاليد الموروثة – لها من السلطان والقوة ما يفوق التصور، وكل قبيلة تلزم نفسها بقانون يحدّد علاقتها الداخلية يسمى (العرف الخاص) وقانون يحدّد علاقاتها مع القبائل الأخرى يسمى (العرف العام).
والعرف الخاص قد يختلف بتفاصيله من منطقة إلى أخرى ومن قبيلة إلى أخرى، أما العرف العام فيكاد يكون متشابهاً عند جميع القبائل وكأنه متفق عليه فيما بينهم من حيث المبادئ العامة…
وهذه الأمور المتشابهة والمتمثلة بالعمومية تسمى (ثوابت) أو (أوابد)، وقد تم ذكر ذلك آنفاً، وما تعارفت عليه القبائل من سنن وأعراف ونواميس إلّا امتداد لذلك الموروث القديم.
من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي تم فيه تناول موضوع (السنن والأعراف لدى قبائل الجزيرة العربية)، وذلك للوقوف على كوامن هذه النواميس (القوانين غير المكتوبة) وتدوين ما أمكن تدوينه منها لغرض جمعها وتوثيقها ومتابعتها ومدى أصالتها وتحديد الأعراف المتصلة بالماضي، والأعراف – السنن – المستجدة… وتحديد ما عارض الشريعة السمحاء وأبطل وما وافقها وتواصل، وما أضيف إليها بحكم المستجدات الضرورية، وأن دراسة هذا الجانب من التراث مطلوبة في هذه المرحلة وذلك لاستيعاب صورة الماضي الوضّاءة لتكون نبراساً ينير الدرب لهذا الجيل والأجيال القادمة.
من هنا، فإن دراسة هذه الصورة تمكن من الوقوف على قدرات الأمة العربية والإسلامية لأخذ مكانتها بين الأمم إن لم تكن في المقدمة مثلما كانت في سالف الأزمان.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف، وفي سبيل تحقيق هدفه في أن يكون لهذا الموضوع مصداقيته من حيث التوثيق كان دائم التحري والتتبع للسنن والأعراف في الجزيرة العربية، وكانت له مقابلات عديدة مع أناس لهم إطلاع ودراية واسعة في هذا الموضوع ومن قبائل مختلفة وتم تسجيلها في حينها وحفظها في أرشيف تراثي.
معتمداً، في العصر الحديث، جلّ اعتماده على تدوين القانون غير المكتوب من ذوي الخبرة والاختصاص كالفرائض والعوارف والمحكمين… وأخيراً كانت البحوث المنشورة في مجلة التراث الشعبي غير معين له في المعلومات الدقيقة والعرافية عن الموضوعات التي كتب فيها (مثلما ثبت في سجل الدوريات) فضلاً عن المحفوظات الخاصة من سجلات وتدوينات شخصية وأراشيف شخصية، كما كانت له جولات ميدانية على ذوي الدراية والاطلاع من حفاظ السنن والأعراف القبلية.