الوصف
ولما كان التاريخ ذا علاقة بالمجتمع من ناحية تدوين وقائعه؛ فخير التواريخ ما بصّر بأخبار المجتمع المؤرخ عنه وهنا العراق، وقرب ما هو الألصق به تسهيلاً للقبول والتناول وهو الأولى بالأخذ والاستفادة، والأحق بالاعتبار. ومن هذا التاريخ صفحة تنبئ عن ارتباط الوقائع بالعراق في وقت، أو تجربة لا مندوحة من ذكراها دوماً للاستقاء من معين فوائدها عظةً وعبرة متصلة لا تنفك عنها ولا تنفصل عنا، ولا تزال حوادثها ترن في الآذان وخبرها يقص بنفرة واستياء، وآلامها تعدد بين آونة وأخرى، وقد أحدثت دوياً لا في العراق وحده بل بلغ صداها أطراف المعمورة، والمقصود (حكومة المغول)، أو حكومة هولاكو في العراق… وهذه دامت سيطرتها من صفر سنة 656هـ/1258م إلى سنة 738هـ/1338م، وهي أول حكومة أجنبية، غير مسلمة احتلت العراق بعد الفتح الإسلامي بستة عصور ونصف تقريباً، فرأى العراقيون غير مألوفهم، وشاهدوا ما لم يخطر بخيالهم، وهكذا شأن الأمم فيما كتب عليها من المقدرات وما أصابها من نكبات.
وبالنسبة للعراق، فإن تواريخه ومراجعه فيما يخص هذا الدور كثيرة، وليس هناك مغولي كتب عن هذا العهد ليكون تاريخه مرجعاً بعده، وغالب من كتبوا من العرب وباللغة العربية قبل كل أحد، ودوّنوا مشاهداتهم ومسموعاتهم، ثم كتب العجم عنهم بالعربية والفارسية، إلّا أنها غير موصولة وفيها فترات لم يتيسر العثور عليها أو الاطلاع على تفصيلاتها بسهولة. أو أنها بقيت مجهولة؛ وغالب الموجود مختلف المشارب والنزعات، أو من صناع نفس المغول، أو مقصور على وصف الملوك وأعاظم رجال الإدارة ممن نال مكانة تاريخية باعتبار أنه الناهض بأمته، والقائم بشؤونها ومناعتها، وأخلاقها وسيرها التاريخي والاجتماعي، وتحفزها للوثوب والنهوض، أو ذلها وخضوعها. ولهذه المراجع أوصاف خاصة سيوضحها المؤلف في هذه الموسوعة عن كلامه على كل منها، والتي غالبها يعاب بأنه كتب من أزمنة محاطة بظروف وتحايلات أدت إلى كتمان الحقيقة أو توجيهها وعدم التصريح بها أو الإشارة الخفيفة، أو المبالغة الزائدة والإشادة. وهذا ما يدعو للارتياب ولاستنطاق وثائق كثيرة، ومقابلة بل ومقارنة بعضها ببعض، للوقوف على الدواعي والأسباب ما يفيد لتمحيص الوقائع، وتمييز الصحيح من المدخول. وقد بذل المؤلف جهوداً في التحري والتنقيب، مستنطقاً مراجع كثيرة، لعرضها على ميزان النقد التاريخي، وهو يقول وبكل اطمئنان بأن تاريخ العراق لهذا الزمن لم يكتب فيه إلّا القليل، وبصورة متفرقة… فلم يعد عن نقد من يستحق النقد، ولا هو عوّل إلّا على ما اعتقد صحته، أو لم تكن له رواية أو نقل آخر غير ما هو محل النظر وموضع الاشتباه حذراً من أن يبقى فراغ لمدة قد تكون فترة في التاريخ والعهدة في ذلك على راويها بالشكل الذي رواها مقروناً بمصدرها ومرجع نقلها، دون إهمال فكرة ولا تقبل كل خبر، ولا ترك كل رأي قدر الطاقة والمستطاع.